الإنحطاط الأخلاقي في المجتمعات

لا شك أن المجتمعات التي تتشبث بالفلسفات الفاسدة ستعاني لا محالة من الخواء الروحي. وفي هذه الحياة القصيرة، يهتم أفراد تلك المجتمعات في الغالب بكسب المنافع الشخصية وإرضاء أهوائهم، وهدفهم الأساسي من ذلك هو أن يعيشوا حياة لا يضطرون فيها إلى تحمل مسؤوليتها.

وفي غضون ذلك، لا يطمحون أبدا إلى الارتقاء بشخصياتهم إلى حد الكمال، لأنهم يعتقدون أن ذلك لن يضيف إلى حياتهم أي شيء مفيد. وعلى العكس من ذلك، يرى هؤلاء الناس، استنادا إلى نظرتهم المشوهة للحياة، أن الشخص الخدوم، صاحب الضمير الحي، العطوف، المتسامح ما هو إلا شخص "أحمق". ذلك أن منطقهم يأمر القوي بممارسة الضغط على الفقير واستخدام العنف ضده، دون احترام أي من حقوق الفقير..ويؤكد المولى عز وجل في كتابه أن من لا يؤمن بالآخرة ويوم القيامة لا يعرف حدودا لارتكاب المعاصي:

"وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ. الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ. وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ." (سورة المطففين: 10-12)

إن هؤلاء الناس، الذين حادوا عن طريق التدين، يطمحون في جني المزيد من المكاسب ويغرسون هذا الطموح في عقول المحيطين بهم ويُعِدّونهم مقدما للتعدي على حدود الله سبحانه وتعالى..نحن نعيش في زمن تهجر فيه الغالبية القيم الدينية هجرا تاما. ونظرا لأن هؤلاء الناس غير راضين عما يفعلونه هم شخصيا، فستجد لديهم أيضا استعدادا لجر الآخرين معهم إلى هذا الطريق المظلم. وهذا هو الوقت الذي تظهر فيه من جديد الأعمال غير الأخلاقية؛ إذ لن توجد حدود لارتكاب المعاصي، والأفعال الخاطئة، والاعتداءات العنيفة، والفراغ الروحي، والانحلال الأخلاقي، والبغاء، والحث على "الاكتناز" كما تقول الآية، والاتجاهات الجنسية المنحرفة، وإدمان المخدرات، والقمار. وفي الصفحات التالية، سنمعن النظر في الأبعاد الخاصة بتبعات التدهور الأخلاقي الناتج عن الكفر.

تلقين المبادئ اللاأخلاقية

يسهل على الشخص ضعيف الأخلاق  والإيمان بالله والآخرة أن يزني، أو يلعب القمار، أو يسرق، أو يفعل غير ذلك مما حرمه الله. ذلك أن الكفر في الواقع هو الذي يضع الأساس لهذه النزعات. ويرى منطق الكفر هذا أن البشر وجدوا في الحياة بالمصادفة وأنه بالتالي لا يتعين على المرء أن يشعر أنه مسؤول تجاه الخالق. ووفقا لنظرية التطور، فإن البشر ليسوا سوى شكل متطور من أشكال الحيوانات. ومن هذا المنطلق، يجب ألا نهتم بأي شيء باستثناء سد احتياجاتنا. أما بالنسبة لإرضاء أهواء النفس الأمارة بالسوء، فلا يجب علينا أن تحدنا أي حدود؛ إذ يمكننا أن نتصرف مثل الحيوانات. وباختصار، تعجز هذه الفلسفات، التي لا تحتوي على أي بعد روحي، عن إدراك المبادئ الأخلاقية.

وفي الواقع، يعبر الماديون وأنصار الداروينية المشهورون بوضوح عن نظرة الكفر إلى القيم الأخلاقية. ويفسر ويليام بروفين الأستاذ بجامعة كورنيل، كيف تقيِّم المادية المبادئ الأخلاقية : "يدل العلم الحديث دلالة مباشرة على أن العالم منظم بشكل كامل وفقا لمبادئ ميكانيكية. ولا توجد في الطبيعة أي مبادئ هادفة على الإطلاق. ولا توجد أيضا آلهة ولا قوى مخطِّطة يمكن اكتشافها منطقيا... ثانيا، يدل العلم الحديث دلالة مباشرة على عدم وجود أي قوانين معنوية أو أخلاقية متأصلة، ولا أي مبادئ إرشادية ثابتة تنظم المجتمع البشري. ثالثا، البشر آلات تتميز بقدر مدهش من التعقيد. ويصبح الفرد شخصا أخلاقيا بإحدى آليتين أساسيتين هما: الوراثة والتأثيرات البيئية. وهذا هو كل ما في الأمر. رابعا، ينبغي أن نستنتج أنه عندما نموت، فإننا نموت وهذه هي النهاية بالنسبة لنا..." 11

وكما أوضح هذا العالم، الذي هو نفسه مادي، فإن الكفر لا يسمح للإنسان بأن يؤمن بالآخرة. إذ يعتقد الناس ببساطة أنهم سيفنون بموتهم. وقد حدثنا القرآن الكريم عن هذا الاعتقاد الفاسد الذي يؤمن به الكفار على النحو التالي:

"إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ" (سورة المؤمنون: 37)

إن أولئك الذين لا يؤمنون بالبعث بعد الموت، لا يلتزمون بأي حدود ولا يرون ضررا في الفجور. فبالنسبة لهؤلاء الناس، لا يوجد سبب يدفع الإنسان لممارسة قوة الإرادة. ولهذا السبب، يمثل الكفر السبب الرئيسي في الانحلال الأخلاقي، وهو ما أكده أيضا العالم المادي بروفين في كلماته المذكورة آنفا. إذ توضح تلك الكلمات الأفكار والقيم الأخلاقية الفاسدة التي يعتنقها الكافر.وتجدر الإشارة أيضا إلى أنه ليس كل من يفجر يفعل ذلك والأفكار الداروينية أو المادية في ذهنه. ومع ذلك، يجب أن يتذكر المرء أن هذه الأيديولوجيات ومعلميها من الكفار يغرسون هذه الأفكار الفاسدة في عقول الناس، وبالتالي يشعر غالبية الناس برغبة جامحة في التشبث بمتاع هذه الحياة الفانية بدلا من أن يعيشوا حياتهم والآخرة في أذهانهم..

لقد كان الفهم السائد بين جيل الستينيات الذي دعا الى حرية مطلقة لا ضابط لها ناتجا أيضا عن عدم الالتزام بأي حدود سلوكية. إذ يُذكَر هذا الجيل بجميع أشكال الفجور مثل التحرر في ممارسة الجنس، وتعاطي المخدرات، والاستقلالية بتغطرس، والتمرد. واليوم، بعد ثلاثة عقود، نرى كثيرا ممن هاجموا المعتقدات التقليدية في الستينيات يجلسون إما على مقاعد الحكم أو على مقاعد التدريس في الكليات. كما أن الآباء والأمهات الذين ربوا شباب اليوم ينتمون أيضا إلى نفس الجيل. لذلك، نلاحظ اليوم قدرا من الفجور يكاد أن يكون غير مسبوق في تاريخ العالم. ويرجع أحد الأسباب في ذلك إلى وجود جيل على قدر عال من الانحلال الأخلاقي، تربى على أيدي آباء وأمهات كفرة. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم القوم الذين غفلوا عن الدين لأن آباءهم لم ينذرهم أحد:

"لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ." (سورة يس: 6)

ومثلما أكدت أيضا هذه الآية، فإن الأجيال التي تولد لأناس كافرين تصبح غير متدينة ومجردة من القيم الأخلاقية مثل آبائها وأمهاتها.واليوم، يعود السبب الرئيسي في الانحلال الأخلاقي المنتشر في العالم، من أمريكا إلى هولندا، ومن الشرق الأقصى إلى روسيا، إلى وجود أناس يفترضون، بسبب كفرهم، أنهم لن يحاسبوا على أعمالهم وأنهم أحرار. ولأن الكفر منتشر جدا في عصرنا الحالي – بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم – أصبح الشذوذ الجنسي قاعدة اجتماعية.

ولنفس السبب، أصبح البغاء، والاستغلال الجنسي للأطفال، والمقامرة، والاحتيال، والرشوة خارج نطاق السيطرة. إن كم الفساد الموجود في المجتمع لا يحتاج إلى إيضاح، إذ يكفي أن نشير إلى انعدام الثقة المنتشر في كل مكان، حتى بين أفراد الأسرة المقربين؛ وتحوُّل العلاقات الجنسية التي تحدث قبل الزواج وخارج نطاق الزواج إلى سمة مميزة "للسلوك العصري". ونكرر مرة أخرى أن الكفر هو المسؤول عن فقدان الناس لقيم مثل التواضع، والحياء، والخلق الحسن. فقد أصبح الناس يُشجَّعون باستمرار على اتباع سلوكيات لم تكن مقبولة أخلاقيا قبل بضعة عقود فقط..

.

ولا يمكن إنكار أن الكفر يتسبب في الفجور. ومع ذلك، فقد يوجد أناس يدعون أنهم على خلق، بالرغم من كفرهم. ويؤكدون أنهم لا يمارسون أيا من السلوكيات غير الأخلاقية المذكورة آنفا. وفي الواقع، من الممكن جدا أن يمتنع أي شخص كافر امتناعا تاما عن أي شكل من أشكال الفساد، وأن يظل مصرا على موقفه هذا. ومع ذلك، لا يعد هذا مؤشرا على أنه شخص حسن الخلق. ذلك أن الشخص الذي يتصرف بشكل فاضل لا لشيء إلا لخوفه من الله جل جلاله يظل ثابتا على سلوكه الحسن مهما كانت الظروف. في حين أن الشخص الكافر، الذي يدعي أنه لم يحصل على رشوة قط، يمكن أن يكذب بسهولة إذا كان ذلك يخدم مصالحه. ومن ناحية أخرى، يعترف الشخص ذاته بأنه تلقى رشوة كي يسدد للمستشفى فاتورة علاج ابنه المريض. وباختصار، فمع تغير الظروف، قد يقوم الشخص الكافر، تحت ذريعة "الظروف الاضطرارية"، بارتكاب أشياء يقر هو نفسه بأنها خاطئة.

فعلى سبيل المثال، قد يحدث في يوم من الأيام أن يقوم الشخص الكافر الذي يعتبر أن جريمة القتل أمر لا يمكن تصوره بالاستسلام لغضبه وارتكاب هذه الجريمة.

ومع ذلك، فاكتساب الخلق الحسن يتطلب صبرا وقوة إرادة. فمهما كانت الظروف اضطرارية، يجب أن يجاهد المرء ليظفر بالخلق الحسن. ولكي يظهر المرء مثل هذا الصبر وقوة الإرادة التي لا تلين، يجب أن تكون لديه غاية. ويستطيع المؤمنون القيام بذلك لأن لديهم هدفا أبعد في الحياة ألا وهو: نيل رضا الله، ورحمته، وجنته. فهم يعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن".12 لذلك، يغتنمون كل فرصة سعيا وراء الفضيلة. ومن ناحية أخرى، ليس لدى الشخص الكافر أو عديم الهدف أي سبب يدعوه للمثابرة على الصبر وقوة الإرادة.
.
فعلى سبيل المثال، تدعي العاهرات أن البغاء هو الطريقة الوحيدة التي تمكنهن من إعالة أنفسهن. ولكن إذا آمنَّ بالله واليوم الآخر، فلن يتجهن أبدا إلى مثل هذا الطريق المخزي لكسب الرزق. وإذا عرفن أنهن لن يستطعن أن يبررن فعلتهن، فسيحرصن على تجنب هذه المعصية لخوفهن الشديد من الحساب.

"الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ." (سورة البقرة: 268)
.
وكما تشير الآية، يتجرأ غالبية الناس على الانغماس في كل أشكال الفجور لخوفهم من الفقر. ومن ناحية أخرى، فإن مجرد التفكير في العيش بطريقة غير أخلاقية لا يطرأ على ذهن الشخص الذي يأمل في نيل رحمة الله عز وجل. وفي الآية التالية، يؤكد المولى عز وجل على أن خشية الله جل وعلا تجعل المؤمنين يجاهدون للحفاظ على الخلق الحسن:

"وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ. وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ." (سورة الرعد: 21-22).

يقف كبار السن في الحافلات المزدحمة بينما يجلس الشباب ويتجنبون النظر إليهم... ويصطف كبار السن لساعات في طوابير تحت أشعة الشمس الحارة أو الأمطار الغزيرة... ويحتاج الوالدان الضعيفان اللذان تقدم بهما العمر إلى الرعاية, ولكن ينظر إليهما بوصفهما عبئا في المنزل... وأصبح وجود النساء والرجال كبار السن الذين يعانون من ضعف عقلي أو بدني أمرا غير محبب بالنسبة لأعزائهم.


وهذه بضعة أشياء فقط مما يواجهه كبار السن، الذين من المؤكد أنهم يستحقون الاحترام لا الإهمال، في السنوات الأخيرة من حياتهم. وفي بلدان الكفر، تجد أن الأشخاص الذين يعانون من مشكلات متصلة بتقدم العمر، بدنيا وروحيا، يتعرضون لمتاعب كثيرة. ويزيد من صعوبة الحياة بالنسبة لهؤلاء الناس وجود الكثير من التحديات الفردية والاجتماعية المتصلة بمستوى الحياة عند تقدم العمر. وتزداد مشكلاتهم تعقيدا نتيجة لما يلاقونه من سوء المعاملة ونوعية الأماكن التي يتركون فيها.

ومع ذلك، يأمرنا القرآن الكريم باحترام كبار السن وإظهار الاحترام المناسب لهم. وفي الآية التالية، يحدثنا الله جل جلاله عن الاحترام الذي يستحقه كبار السن:"وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا." (سورة الإسراء: 23)

وفي مجتمع يعيش فيه أناس يتمتعون بالوعي القرآني، لن يواجه كبار السن والمحتاجون مطلقا التعصب، أو العنف، أو الغضب. إذ يوفر المؤمنون، لكبار السن والشباب على حد سواء، أكثر الظروف سكينة وراحة دون أن يتوقعوا جزاء عن هذه الأعمال إلا من المولى عز وجل.

وإذا كان الشخص مؤمنا، سواء كان شابا أو عجوزا، فسوف يبذل ما في وسعه دائما لكي يبقى عطوفا، ومحترما، ومتفهما. وفي المجتمعات البعيدة عن الدين، يضايق كبار السن مََن حولهم بسبب حساسيتهم أو غير ذلك من الصفات غير المحبذة. ولكن الوضع مختلف في بيئة يلتزم فيها الناس بأحكام القرآن والسنة، لأن كبار السن سوف يبذلون ما في وسعهم، أيضا، لإظهار الخلق الفاضل في جميع الظروف.

تشجيع الناس على التحرر

تجري في عصرنا هذا عملية لتكييف الناس عموما، والمراهقين خصوصا، على الفجور، تحت ستار "السلوك العصري" أو "التحرر". فقد أصبح من السهل على مجتمعات اليوم أن تستوعب قيما كانت تتجنبها تجنبا تاما منذ بضعة عقود. وأصبحت كل أشكال الرذيلة تعرض على شاشات التليفزيون، أو في صحف الإثارة أو المجلات. وأصبحت القدوة التي تقدم للعامة تتجسد في المزورين، والشاذين جنسيا، ومن يبيعون أجسادهم، والآباء والأمهات الذين يدفعون بناتهم نحو البغاء، والمقامرين، ومن يُسمون بالمشاهير الذين تدعو سلوكياتهم للرثاء. وحتى إذا كان هؤلاء الناس أحيانا مثيرين للاشمئزاز بحق، فإن أسلوب حياتهم أصبح محل تقليد من جانب الجماهير. وفي غضون ذلك، تُقدَّم للناس حياة الفجور التي يعيشها أولئك المشاهير بوصفها قيمة تجسد "السلوك العصري" بل وحتى "التحضر"..

وفي السنوات الأخيرة، أصبح سلوك المخنثين، وأسلوبهم، وملبسهم المنتشر بين الرجال يجسد إحدى تبعات هذا التلقين. ويعتبر ميل المجتمعات إلى مثل هذا الانحلال دليلا على حماقتها. وعلى نحو مشابه، يشجع المشاهير جماهيرهم على إقامة علاقات خارج إطار الزواج وتعاطي المخدرات. وتقلد الجماهير الجاهلة كل شيء يفعله هؤلاء الناس – من السلوكيات إلى الفلسفات، ومن طريقة الملبس إلى استخدام اللغة. ولا تكاد تلك الجماهير تلاحظ أن هؤلاء الناس – الذين يتملقهم الملايين – هم مجرد أشخاص سطحيين يعانون من مشكلات نفسية، وجنسية، وروحية خطيرة وبالتالي يتعرضون باستمرار للإذلال على يد زملائهم المقربين الذين يعرفون حقيقة عوالمهم الداخلية. وعلى الرغم من ذلك، ما زالت غالبية الناس لا تفهم ذلك. ويلفت الله سبحانه وتعالى انتباهنا إلى حقيقة أن غير المؤمنين مجردون من الحكمة

 "وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ." (سورة القصص: 60).

ومع ذلك، يجب على الأذكياء، أصحاب الضمائر الحية، الحكماء، الذين يراعون مشاعر الناس ويخافون الله خوفا شديدا أن يتولوا مهمة تشكيل الإطار الأخلاقي للمجتمع. ذلك أنهم سينشئون نموذجا اجتماعيا صحيا يطرد كل الرذائل من المجتمع. وبدلا من أن ينشغل المراهقون بأمور تافهة، سوف ينشغلون أكثر بإثراء شخصياتهم. ومن الجلي أن أصحاب الضمائر الحية هم الذين يلزمون أنفسهم بإصلاح المجتمع بدلا من تدميره. وهؤلاء هم الأشخاص ذوو العقول المتفتحة، الذين يستطيعون أن يفكروا في أحوال المجتمع بحرية واستقلالية. وبما أنهم نبذوا الكفر، فلن يصبحوا عميا وبالتالي سيتمكنون من إدراك الغاية من الحياة. ولأنهم يعلمون أن الله خلقهم، فلن يشعر هؤلاء الناس بأنهم مسؤولون إلا أمام الله جل وعلا وبالتالي سيظهرون سلوكا متميزا. وبما أنهم لن يتبعوا سوى أحكام القرآن والسنة، فلن يقتدوا إلا بأصحاب الضمائر الحية، والحكماء، والمخلصين الذين يجاهدون بخلق حسن:

"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً." (سورة الأحزاب: 21)

ولا شك في أن الثناء على أولئك الذين يجاهدون من أجل نشر الخلق الكريم في المجتمع وعرض الفضائل التي يجلبها الخلق الحسن للإنسان مع التعبير عن كراهية النقائص الأخلاقية سيحول دون ميل الناس إلى الفجور..


الطريقة التي تتعامل بها المؤسسات الاجتماعية والجهات ذات الصلة مع المشكلة تنذر بالخطر

لا تؤكد أي من هذه المؤسسات على حقيقة أن هذا الانحراف عمل آثم لا يرضى عنه الله سبحانه وتعالى وأنه يسبب الألم في الدنيا وكذلك العذاب الأبدي في الآخرة. ويجب أن تتم إزالة المرض الذي يجلبه هؤلاء المنحرفون للمجتمع. ومع ذلك، فإن الضرورة الأكثر إلحاحا الآن هي أن يتم إنقاذ هؤلاء الناس مما هم منغمسون فيه. واليوم، يوجد حول العالم ملايين الناس الذين يعيشون في ضلال وفساد، ومن خلال التلقين المكثف، أدخلوا إلى حياتهم الفجور، والتمرد، وكل أشكال الأنماط السلوكية المروعة.

"وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا." (سورة الفرقان: 68)

ومن ناحية أخرى، تجد الناس في المجتمع المؤمن يبذلون ما في وسعهم لتحقيق ما هو أفضل، وأشرف، وأجمل، وأصدق. ويخبرنا الله جل وعلا في الآية التالية عن الراشدين:".... 

وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ." (سورة الحجرات: 7)

إن الدين هو القوة الوحيدة التي تمنع الإنسان من الانغماس في الآثام والضلالات وتنشر القيم الحسنة في المجتمع. وفي الآية التالية يخبرنا الله بذلك :

"اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ." (سورة العنكبوت: 45)

المقامرة تضر بحياة الإنسان

في عصرنا هذا، تفسد المقامرة المجتمعات. وعلى الرغم من ذلك، ما زالت المقامرة من بين أحد أكثر القطاعات المربحة. ومع ذلك، يمكن أن توجه الأموال الهائلة التي تنفق على متعة محضة، أي على المقامرة، إلى غرض أفضل، أي إلى زيادة رفاهية الشعب.

 وتؤثر المقامرة على الناس تأثيرا ضارا للغاية. ذلك أن المجتمع لا يستطيع أن يتحمل تكاليف المقامرة، وهو ما يتضح أيضا من الأخبار المنشورة في الصحف وأجهزة التليفزيون. فسنجد الناس ينتحرون بسبب الدَّين، ولا يستطيعون الحفاظ على تماسكهم الأسري، ويعانون من الإحباط، بل إنهم يرتكبون جرائم القتل، لأنهم يخسرون في بضع ساعات فقط ما جمعوه على مدى سنوات. ويقدم هذا القطاع من الاقتصاد مثالا مهما على الانحلال الأخلاقي، لأنه يقوم على تبديد شمل الأسر، وانهيار الزيجات، وكسب المال خارج إطار القانون.

وكم هو مذهل أن المقامرة، التي تلحق ضررا كبيرا بالمجتمع، يتم الترويج لها بشكل مكثف. ومن المؤكد أن من يجنون المال من المقامرة ويضفون عليه صفة قانونية ليسوا ممن يستمعون إلى صوت الضمير.
.
وسنجد أن أولئك الذين يسمحون بانتشار المقامرة على نطاق واسع في المجتمع، وهي التي تعتبر مصدرا لمعاناة الجميع، يعترفون بهذه الرذيلة عندما يبدؤون هم أنفسهم في المعاناة منها. ومع ذلك، إلى أن تنتهي بهم الحال هم أنفسهم إلى هذه النهاية غير المرغوبة، يكونون قد تسببوا في انجراف الكثيرين نحو حياة مظلمة. ولن يتسنى القضاء على مثل هذا السلوك الذي لا ينبع عن ضمير حي إلا من خلال اتباع ما جاء في القرآن الكريم. ويعرِّف المولى عز وجل المقامرة (الميسر) بأنها رجس، وينبه الإنسان إلى ضرورة الابتعاد عنها:

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ." (سورة المائدة: 90-91)

ويجب على المؤمنين ذوي الضمائر الحية أن يعملوا على توعية الناس بأضرار المقامرة وأن يدعوهم لتجنب هذه الرذيلة.
.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ." (سورة المائدة: 90)