ضلال وغرور وتكبر قارون وما حل به من عقاب / قصة موسى عليه السلام (الجزء 10)

قارون كان من ذوي الثراء من بني إسرائيل

إن قارون هو أحد الأشخاص الذين حل بهم سخط الله وعقابه في عهد موسى عليه السلام ويخبرنا القرآن أن قارون كان من ذوي الثراء العريض في مصر رغم كونه من بني إسرائيل :

{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}القصص 76

قارون شاطر فرعون الكفر برسالة موسى عليه السلام

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) (غافر: 23-24)

إن ثراء قارون ووضعه في المجتمع المصري دفعاه للتعالي على قومه من بني إسرائيل وأبى أن يؤمن بالحق الذي جاء به موسى (ع) وتفاخر وتباهى بما عنده من مال ليشعل في قلوب بني إسرائيل حب الدنيا والالتصاق بها. 


 بعض بني إسرائيل كانوا يحسدون قارون على ثرائه

والحق أن بعض بني إسرائيل كانوا يحسدون قارون على ثرائه ومكانته الاجتماعية. ويحكي الله لنا تكبر قارون واستعلائه وما اعتمل في قلوب ضعفاء الإيمان من بني إسرائيل من إعجاب بثرائه ومكانته :

{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }القصص 79

أصحاب الإيمان من بني إسرائيل ينصحون قارون ويعظون ضعفاء النفوس 

لكن أصحاب الإيمان الحق من بني إسرائيل لم تعجبهم حال قارون ولم يسل لعابهم لما عنده من نعيم الدنيا، بل كانوا يرثون لحاله ويبذلون له النصح حينا والتحذير حينا آخر:

( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص : 76-77)

كما انبروا يعظون وينصحون ضعفاء النفوس من بني إسرائيل ممن أعجبهم حال قارون، أن لا ينخدعوا بسراب الثروة الزائل وأن لا يؤثروا نعيم الدنيا الذي لا يبقى على النعيم الأخروي الخالد :

(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) (القصص: 79-80)

ضلال وغرور قارون 

إن السبب الأول لضلال قارون هو ظنه أن حنكته وحدها هي التي جلبت له الغنى والثروة. وبعبارة أخرى، تملكه شعور بالتفوق على الآخرين :

( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) (القصص: 78)

تكبر قارون عاد عليه في نهاية المطاف بالدمار والبوار

لكن تكبر قارون قد عاد عليه في نهاية المطاف بالدمار والبوار. لقد جلب قارون لنفسه سوء العذاب بسبب جحوده وزعمه الباطل أنه جمع ثروته الضخمة بفضل ذكائه الشخصي ومهاراته التجارية. وأدرك قارون في نهاية الأمر أنه عبد ضعيف وفقير إلى الله خالقه وحاق الدمار بماله الذي ملأه زهوا وخيلاء :

(فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ) (القصص: 81)

ما حل بقارون كان عبرة ودرسا لمعاصريه

إن في العذاب الذي حل بقارون لعبرة ودرساً لمعاصريه ولمن يأتون بعدهم من أجيال. لقد أدرك الذين تمنوا مكان قارون أن الثراء الذي سحر ألبابهم لم يكن سوى نعيماً مؤقتاً ذهب أدراج الرياح في نهاية الأمر. لقد قرّ في روعهم أن الذين يزدهون بما عندهم من متاع الدنيا ليس لهم خلاق في الآخرة وسيحاسبون على إجرامهم في نهاية المطاف:

(وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (القصص: 82)

وفي النهاية لقي قارون ذات المصير الذي لقيه فرعون وهامان :

{وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ } (العنكبوت: 39)

الدروس المستفادة من قصة قارون

إن قصة قارون لتدلنا على أن رحمة الله لا تنال الذين يستكبرون بسبب ما عندهم من مال وثروات ولظنهم أنهم أكثر معرفة وعلما من الآخرين.وفي القرآن قصص أخرى عن دول وحضارات أخرى طواها الزمن كانت قد أحرزت نجاحا عظيما وجمعت ثروات مادية طائلة، لكنها برغم ذلك أبيدت من على ظهر الأرض.

لقد أهلك الله أولئك الشعوب الذين ظنوا أنهم أسياد العالم وأحال قصورهم إلى أنقاض وخرائب :

{فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } (الحج: 45)

وهناك درس آخر في قصة قارون وهو أنه لا ينبغي لنا أن ننخدع ببريق النعيم الدنيوي المؤقت وأن لا نغتر بأصحابه. وأن نصبر أنفسنا مع المؤمنين المحتسبين الصابرين على البأساء والضراء والمنفقين في سبيل الله الناذرين أنفسهم في سبيل الله من المؤمنين والمؤمنات العامرة قلوبهم بحب الله.

يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) (مسلم).

إن الأشخاص الذين شغلهم الثراء ورغد العيش عن ذكر الله وعن السبيل، هم في الحقيقة يتقلبون في جحيم الحرمان الروحي. وإن كل يوم يمر عليهم يقربهم زلفى من العذاب المقيم في نار جهنم، يقول الله عز وجل :

{فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } (التوبة : 55)

لا ينبغي للمال أن يكون هدفا بذاته يطلبه المرء بقصد الاستمتاع والتباهي فقط، بل يتعين علينا أن نعي وأن ندرك أن الإنسان يبتلى بما يملك أيضا. فهذه الأموال تسعد أصحابها طالما سخروها في مرضاة الله. لقد حل العذاب بقارون في نهاية المطاف رغم كثرة ماله.