القرآن والضمير دليلا الإنسان إلى الهد ف الحقيقي من الحياة / الجزء 02



بيّنا إلى حدّ الآن في الجزء الأول  أن من يصغي إلى صوت ضميره يعي وجود الله عزّ وجل حتى إن لم يعلمه أحد بذلك وهو يصل بذلك إلى حقيقة ثابتة وهي أن الله الذي خلق كوناً متكاملاً ومنح الإنسان الوعي لم يخلقه سدى، بل لا بد أنه خلقه لهدف معين، ولا بد أن تكون هناك صلة ما بين الله عز وجل ومخلوقاته ليخبرهم بهذا الهدف

إذا استعمل الإنسان ضميره بالشكل الصحيح، فإنه سيشعر برغبة شديدة في معرفة خالقه وخالق الكون، وستصبح هذه الرغبة هي الهدف الوحيد في حياته، وسيكتشف أنه بأمسِّ الحاجة إلى الله الذي خلقه من العدم ، وأسبغ عليه نعمة الحياة وأن القوة كلَّها بيد الله تعالى، وسيدرك أيضاً أن الله عز وجل قد خلق كل شيء لهدف فالسماء هي الغلاف الذي يحمي كوكبنا والخلايا هي منشأ الحياة المطر لأجل المحاصيل والشمس هي مصدر الضوء والحرارة في عالمنا الذي لم يكن ليوجد من دونها

وباختصار، كل ما يراه الإنسان حوله مما لا يعد ولا يحصى مخلوق لغاية معينة، وهنا يتوقف الإنسان ليسأل نفسه: إذا كنت مخلوقاً في كون متكامل خال من النقائص والعيوب، وسأموت خلال فترة وجيزة، فما هو الهدف من وجودي؟ ويسعى للحصول على  جواب لسؤاله 

ولن ترضيه في هذه الحالة المعلومات المتفرقة التي يسمعها من غيره يريد أن يعرف الله يريد أن يعرف ما هو الهدف من خلقه وقد أدرك من خلال ضميره أن المعلومات التي يزوده بها الآخرون يمكن أن تكون مضللة وغير كافية، بل ومتناقضة في معظم الأحيان ويدرك الإنسان بالفطرة أن خير ما يهديه إليه الله عز وجل هو الكتاب الذي أنزله وحفظه، إنه القرآن الكريم آخر كتب الله عز وجل،المنزلة  ويتخذ منه دليلاً للوصول إليه إنّ من يهجر القرآن الكريم يكون قد أعرض عن صوت ضميره: كم من الناس في هذا العالم لم يقرؤوه ولم يَدُر في ذهنهم مجرد تساؤل حوله


إن الله عز وجل أنزله هدى للناس، وهم سيُسْألون بعد الموت فيما إذا كانوا قد اهتموا بما فيه أم لا وسيدخلون الجنة أو النار نتيجة لذلك وإذا افترضنا أن بعضهم لم يدلهم ضميرهم على كتاب الله فلا بد وأنهم قد سمعوا وعلموا بوجوده، ومع ذلك لم يحاولوا قراءته ولا حتى تساءلوا عما يحتويه، مع العلم أنهم سيسألون عن ذلك يوم القيامة وإذا مثلنا لذلك بشخص استلم رسالة من مكتبه أو مدرسته، وقد كتب عليها أنها ذات أهمية بالغة لمستقبله المهني أو التعليمي، فعليه أن يقرأ هذه الرسالة وينفذ ما فيها خلال وقت معين فما الذي سيفعله؟ هل يعلقها على الحائط ولا يقرؤها يضعها في الجارور أو يقرؤها دون أن يعير اهتماماً لمضمونها، أم أنه سيقرؤها حال وصولها ويتصرف تبعاً لمضمونها؟!


إن حس الإنسان وحكمته ستحتم عليه أن يقرأ الرسالة، وهي مجرد رسالة، فكيف بكتاب هو الأهم في الوجود الكتاب الذي أنزله الله لعباده ولكن الغفلة التي يعيش فيها معظم الناس تجعلهم لا يحركون ساكناً ولا يحاولون قراءة القرآن الكريم• وقد أخبر الله عز وجل هذا في كتابه العزيز حين يشكو الرسول إلى ربه فيقول :


{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً }الفرقان30.

{وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }البقرة101

إن قول الله تعالى: (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) يشير بوضوح إلى أنّ هؤلاء الناس يعلمون تماماً ما عليهم فعله، ولكنهم يهملون كتاب الله عز وجل فما من أحد إلا ويعلم ضمنياً أن عليه قراءة تعاليم الله عز وجل في القرآن الكريم وتطبيقها، ولكن الغالبية العظمى تتجاهل ذلك، والسبب في الأصل هو تجاهلهم لصوت ضميرهم

القرآن والضمير دليلا الإنسان إلى الهد ف الحقيقي من الحياة

إنّ الإنسان الذي يتفكر في وجوده متجاهلاً صوت ضميره لا بّد وأن يتساءل عن الهدف من وجوده، وسيكتشف بفطرته خلال رحلة بحثه عن الإجابة بأن عليه العودة إلى  القرآن الكريم ووحي الله عز وجل وأهم ما يفعله عندما ينوي قراءة القرآن هو أن يبقي ضميره يقضا، ويقرأه مخلصاً النية وأن يطبق ويعيش عملياً التعاليم التي وردت فيه

وفي الآيات التالية نجد جواباً للسؤال المطروح، يقول الله عز وجل :


(وَمَا خَلقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ , مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِن رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ , إِن اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ المْتينُ) الذاريات: 56 - 58 .

إنّ الهدف من حياة الإنسان على هذه الأرض هو اختباره :



(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك: 2

(إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) الكهف: 7

(إِنَّا خَلقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً , إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وإمَّا كَفُوراً) الإنسان: 2 - 3


يدرك القارئ لهذه الآيات أن الله عز وجل قد خلق الحياة ليختبر الإنسان، ولهذا سيفكر في حياته وحياة غيره معظم الناس من حولنا يجرون ويتصارعون في سبيل الحصول على شيء من حطام الحياة الدنيا، ولديهم خطط مفصلة فيما يتعلّق بأمورهم الدنيوية التي يسعون فيها مثل البحث عن عمل الزواج الأطفال المنزل الذي سيعيشون فيه السيارة التي سيشترونها كيف سيحصلون على أعلى الرواتب؟ وأين سيقضون الإجازات إلخ ؟

وكل واحد قد حدد خططاً وأهدافاً في فكره يسعى لتحقيقها، إلا أنّ أحداً لم يفكر في الهدف الحقيقي لوجوده في هذا العالم، فعندما يشاهد صاحب الضمير الحي هذه التصرفات يدرك بأنّها ليست سوى نتيجة للحمق والغفلة إنّ الله جل جلاله هو خالق الإنسان وواهب الحياة، وقد أوضح الهدف من خلق الإنسان ألا وهو العبودية

ولا يمكن للإنسان أن يحقق السعادة إلا عندما يعيش وفقاً لهذا الهدف، فيطيع الله ويسخِّر كل ما يملك لنيل مرضاته ولكن معظم الناس يقضون حياتهم في غفلة وجشع، ويتصرفون كأنهم لا يعلمون حقيقة وجودهم، ولا يعلمون إلاّ أنهم خلقوا في هذا العالم من أجل متعتهم الخاصة

أما الإنسان الذي يُعمل ضميره يرى أن معظم الناس ينحدرون في منزلق خطر من الإهمال، ويدرك أن هؤلاء الناس لا يمكن أن يكونوا مثالاً يتبع، فلا يمكن أن يعلل نفسه بالقول: (كلهم يفعلون ذلك) لأن ذلك سيحول دون اتباعه لهدي كتاب الله عز وجل