يمكنك أن تفكر وتسأل نفسك منذ الآن وأنت تستعرض شريط حياتك




يمكنك أن تفكر وتسأل نفسك منذ الآن وأنت تستعرض شريط حياتك : ما الذي ستندم عليه يوم الحساب وما الذي سينفعك في لحظة كتلك ؟ عن أي شيء ستقول: ليتني لم أفعل كذا، أو ليتني فعلت كذا ؟  عبر الله تعالى في القرآن الكريم عن هذا الندم الذي لا طائل منه بقوله

( ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً )  النبأ  39 – 40

علاوة على ذلك فإن الناس سيغضبون ويشعرون بمقت شديد لأنفسهم لما اقترفوه في حياتهم الدنيا ولكن مقتهم وغيظهم لا يمكن أن يقارن بغضب الله عز وجل عليهم :

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } غافر 10

ويخبر الله تعالى في كتابه أن الندم وتذكر ما مضى لن يفيد في ذلك اليوم فذلك اليوم هو نهاية كل شيء، وسوف يكون من المستحيل أن يعوض الإنسان ما مضى لأن أبواب الجحيم ستغلق على داخليها إلى الأبد

( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ  )  الفجر  23 - 26




باستطاعة كل إنسان مهما كان ضالاً أن يدرك بوضوح كل ما يمليه عليه ضميره في لحظة الموت والحساب وعندها سوف يستحيل عليه أن يعود ليصلح من أمره ويتبع ضميره لأن عودته إلى الحياة مستحيلة

إنّ الهدف من هذا المقال هو حمل الإنسان على استشعار ضميره قبل فوات الأوان، ودعوته إلى العيش حياة يمكنه فيها أن يعوض عن ماضيه ويتجنب الندم في آخرته إنّ قوة إيمان أصحاب الضمير بالله عز وجل والآخرة هي الفارق بينهم وبين الذين لا يتبعون ضميرهم  فصاحب الضمير الحي يتصرف وكأنه يسأل عن أفعاله على شفير جهنم يخبرنا الله عز وجل في كتابه عن بعض رسله الذين لم ينسوا آخرتهم :

(وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) ص : 45 – 46

الانصياع لصوت الضمير باستمرار يهدي إلى الخلق القرآني عندما يصل الإنسان إلى اليقين بوجود الله عز وجل واليوم الآخر، يصبح هدفه الأوحد هو أن يسأل الله في كل أفعاله  فمن غير المعقول أن يتصرف الإنسان تبعاً لضميره وحكمته، ثم يضع لحياته هدفاً مغايراً لهذا  ويُخطئ  من يعتقد أن الدين يحتل جزءاً بسيطاً من حياته، ويتمثل في أداء بعض طقوس العبادة في أيام معينة فعلى العكس من ذلك يقول الله عز وجل في كتابه إن حياة الإنسان يجب أن تكون في مرضاة الله


{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } الأنعام 162

فعلى الإنسان أن يراقب الله في جميع أقواله وأفعاله وقراراته، فيفعل ما يرضي الله عز وجل، ويتجنب ما لا يرضيه وليس له أي خيار آخر لأنه سيُحاسب على ما فعل في حياته وبناءً على هذا الحساب سيتقرر مصيره الأبدي فالإنسان إذا كان طائعاً لله عز وجل ففكَّر وتفهم حقيقة وجوده فلن يكون في حياته ما هو أهم من اكتساب رضوان الله عنه، الله الذي خلقه من العدم  وقد بيَّن الله جل جلاله في قرآنه الكريم كل أوامره ونواهيه ومن هنا يستطيع الإنسان ذو الضمير الحي أن يتقيد بها ويبدي اهتماماً شديداً بذلك مستفيداً من الأمثلة الصالحة التي وردت فيه وإن قارئ القرآن يعرف أن الله قد فرض على الإنسان عبادات معينة  أحدها  الصلوات الخمس :

{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً } النساء 103 

هذه الآية تحرك ضمير كل من يقرؤها فيشعر أن عليه القيام إلى الصلاة، وهنا إما أن ينفذ الإنسان ما يمليه عليه ضميره وما يأمره به الله تعالى في القرآن الكريم، أو أن يتجاهل ذلك مختلقاً لنفسه أعذاراً متنوعة، لكن عليه أن لا ينسى أنه لا عذر لتارك الصلاة في الآخرة

وفي آية أخرى يأمر الله عز وجل الإنسان أن يكون عادلاً مهما كانت الظروف المحيطة به :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } النساء 135


هناك طريقة واحدة تجعل الإنسان يتقيد بأوامره تعالى وهي أن يتبع ضميره و لنأخذ موقفاً يمكن أن يواجه الشخص المقصود في الآية السابقة : ربما تؤدي شهادة صدق يدليها إلى إدانة أحد أقاربه بجريمة مثلاً هنا إذا كان هذا الإنسان يؤمن بالحساب بعد الموت فإنه سيصغي إلى ضميره لأن خير الدنيا لا يقارن بخير الآخرة وفي آية أخرى يقول الله عز وجل :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }  سورة المائدة  آية  8 

حتى يستطيع الإنسان أن يتقيد بما ورد في هذه الآية عليه أن يسيطر على غضبه حتى في أشد حالاته، وتكون أحكامه عادلة  فالله عز وجل يأمرنا أن نحكم بالعدل حتى مع الأشخاص الذين نبغضهم لأفعالهم أو أقوالهم، كما يأمرنا الله أن نتجنب الظن والنميمة:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } الحجرات 12 

في هذه الآية يحذر الله عز وجل الإنسان من بعض الخصال السيئة، فيذكر ثلاث خصال مرتبط بعضها ببعض، فالذي يغتاب يحكمه الظن السيِّئ وكذلك فإن الذي يتجسس على غيره يفعل ذلك بدافع الظن أيضاً وعلى الرغم من كون هذا السلوك شائع في المجتمع إلا أنه تصرف مخالف للضمير





وستكون مقارنة جيدة أن يضع الإنسان نفسه في ذات الموقف، فمن المؤكد أنك لا تحب أن يتطفل أحد عليك فيتجسس على أسرارك وأخطائك ويشيعها ولا تحبّ أيضاً أن ينم أحدهم عليك ويظن فيك ظن السوء، بل إن ذلك سيؤلمك ويشعرك بالظلم  إذن: لا مبرر لأن تلحق الأذى بغيرك وتعرضه لمثل هذا الموقف، وإنه لدليل على أنك حي الضمير إذا كنت تعامل غيرك كما تحب أن تعامل للأسباب السابقة يقول الله تعالى : (
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ )

يظهر هذا التشبيه كم أن الغيبة والظن أمران مقززان  لذلك يتوعد  الله عز وجل من يقوم به بالنار قيقول :

( وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ) الهمزة : 1 - 9

إن الحسد والحقد
و الغيرة هي التي تجعل الإنسان يغتاب غيره ويتطفل على أسراره ويتهمه زوراً وهذا مخالف تماماً لتعاليم القرآن الكريم  كما أنه لا يتماشى مع الضمير لذلك فإن خير ما يفعله الإنسان هو أن يبتعد تماماً عن هذه الأفعال ويثني غيره عن فعلها

إنّ تصرّفات الإنسان الذي أدرك جوهر القرآن وأفكاره تكون قائمة على تعاليم الإسلام الخيرة وبتعبير آخر: فإنه يلتزم بما يمليه عليه ضميره ويضع الموت والآخرة نصب عينيه فيرجو الدار الآخرة في كل أعماله ولأنه إنسان مميز فإنه يفكر في غيره أيضاً ويوجه كل جهده ليتزود لآخرته فيضعها في حسبانه حتى فيما يتعلق بأبسط الأمور، فعلى سبيل المثال :

إذا كان له صديق ثري فإنه يفكر أن هذا الصديق سيموت أيضاً في يوم من الأيام ويخضع للحساب، فيتجنب الخوض معه في أحاديث تزيد من تعلقه بالدنيا، ويذكره دوماً بأن هناك جنة أو ناراً، ويعمل من أجل خيره وسعادته في الدنيا والآخرة، ويدعو الله تعالى أن يجتمع معه في الجنة ويحاول أن يبعده عن المعاصي ويدله على طريق الخير فيجعله لآخرته، وبذلك يعبر عن محبته له

وقد يبدو الإنسان الذي يتبع ضميره ويرجو مرضاة الله عز وجل للوهلة الأولى مثل غيره يذهب إلى العمل وإلى المدرسة  يتسوق ويمتّع نفسه، إلاّ أنه بالإضافة إلى ذلك كله يسعى إلى مرضاة الله  في كل ما يفعل، وفيه يقول عز وجل :

{رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ }  النور 37