تخيّل غياب نظام التذوّق عند الإنسان فما الذي سيحصل يا ترى ؟




كلّما نظر الإنسان إلى محيطه اكتشف الرّوعة والكمال في الخلق، ابتداء من المأكولات وما تحتويه من منافع للإنسان الذي خلق الله فيه أعضاء مختصّة لأكل تلك المأكولات. فانظر إلى الفم وما يقوم به من وظائف من أجل تناول الطعام، وانظر إلى الشفتين والأسنان واللسان والحنكين والبصاق وملايين الخلايا، كلّها تعمل في آن واحد في انسجام صارم دون أي تقصير من أيّ عضو.

فالأسنان تقطع الطعام قطعا صغيرة واللسان يضع تلك القطع مرّات ومرّات تحت الأسنان ليمضغها، والحنك ذو العضلات الصّلبة يساعدها على مضغ الطعام بتنسيق مع اللّسان، أمّا الشفتان فهي السدّ المنيع ضدّ إفلاة الطعام من الفم، علاوة على أنّ كلّ عضو من تلك الأعضاء له مكوّناته الخاصّة التي تعمل بدون انقطاع وبكلّ دقة. أمّا الأسنان فقد صفّفت بشكل يتوافق مع دورها، كما وضعت في مكان ثابت وحجم ثابت ممّا ييسّر لها العمل بشكل متكامل مع بعضها البعض.

لا شك أنّ تلك الأعضاء لا تملك شعورا ولا عقلا، ومن المستحيل أن تقوم بتلك الأعمال المشتركة بإرادتها لأنّ ما شرحناه هو عمل غاية في الدّقة والرّوعة، إضافة إلى أن كلّ عضو خلق لغاية ووظيفة محدّدة ودقيقة.

إن صانع ذلك الإبداع وذلك النظام المتكامل هو الله تعالى الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك:

{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } الفرقان 2

لقد خلق الله كل ذلك من أجل الإنسان، ومن أجل أن يتمتع الإنسان بطيبات الحياة الدنيا وقد يتبادر إلى ذهن المؤمن التفكير في رائحة وطعم مختلف الأطعمة، إذ يمكنه التمييز بينها بكلّ سهولة وذلك بفضل نظام متكامل خارق.

.
.


إنّ حاسّة الشمّ والتذوّق تصاحبان الإنسان طوال العمر دون توقف أو تقصير في الأداء أو انتظار لمكافأة، وهذه الملكات اكتسبها الإنسان بالغريزة ولم يقم بأي جهد للحصول عليها

وتخيّل غياب نظام التذوّق عند الإنسان، فما الذي سيحصل يا ترى؟ لا شكّ أنّه لن يبقى أي معنى لأنواع الأطعمة والأشربة، وتصبح الحلوّيات واللّحوم والأسماك والخضروات والكعك والفطائر والغلال والمشروبات والمربّيات والمثلّجات والحلويات كأنّها صنف واحد من الطعام، ولا تكون لها أي لذة، بل وتسبب الأمراض وتضر بالصحة.

لا شك أن نظام التذوق خلقه الله تعالى وجعله نعمة للإنسان، والتغافل عن هذه النعمة خطأ كبير. فالله خلق في الإنسان هذه الأنظمة للحفاظ على صحته وسلامته، وحتى يشعره بمتعة الأشياء، قال تعالى:

 {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } غافر 64

لاشك أن التفكير في موضوع التذوق يدفع بالإنسان العاقل لكي يدرك عظمة الخالق عز وجل ويجعله يعترف بنعمه وجميل فضله عليه فيشكره عليها. فعلى المؤمن أن يفكر عند جلوسه على مائدة الطعام أن جميع الخيرات من مأكل ومشرب من عند الله تعالى، يقول الله سبحانه وتعالى:

( وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ) ( يس 33-36)

يعيش بعض الناس طوال حياتهم في الرّفاهيّة فيشبعون جميع رغباتهم، ورغم أنّهم يأكلون ما لذّ وطاب من المأكولات فإنّهم يغفلون عن التفكير في أشياء مهمّة، منها بالخصوص أنّ الله خلق تلك النّعم من أجل سعادة الإنسان، فلا ينتبهون إلى ضرورة شكر الله على تلك النعم وهذا خطأ كبير لأنّ الإنسان سوف يحاسب في الآخرة و سوف يسأل عمّا إذا كان من الشاّكرين أو من النّاكرين لنعم الله في الدنيا.

.
( فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ  أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً  ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً  فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً  وَعِنَباً وَقَضْباً  وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً  وَحَدَائِقَ غُلْباً  وَفَاكِهَةً وَأَبّاً  مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ  ) عبس 24-32




نتوقف هنا عند نقطة مهمة وهي أن المؤمن مكلّف بأمانة الحفاظ على نعمة هذا البدن وعليه مسؤولية العناية به بما رزقه الله من نعم فيحافظ عليه من الأمراض ويغذّيه تغذية سليمة، لأنّ القيام بالأعمال الصالحة يتطلب جسما سليما، لذلك يجب على المؤمن اتّباع نظام تغذية متكامل. فالجسم المتكون من مائة تريليون خليّة يحتاج إلى تغذية سليمة حتّى يقوم بدوره على أحسن وجه.


لذلك، على الإنسان أن يحافظ على كلّ أشكال النظافة و يأكل الأطعمة النظيفة والطبيعيّة سواء عند فطور الصباح أو أثناء اليوم، كما يجب عليه أن يتجنّب المأكولات المضرّة مهما كانت جذّابة ولذيذة، إذ لا تهاون و تساهل في هذا الأمر وكذلك الإعتناء بشرب الماء بصفة منتظمة خلال اليوم. وفي هذا الخصوص نبّه الإسلام إلى أهمّية الماء :

اقرءوا إن شئتم في كتاب الله:

( وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) الأنبياء 30

( وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً  لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً  وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً )         سورة الفرقان 48-50

( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ  يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) سورة النحل  10-11